كل يوم يمر، كل لحظة تعدو، هي إقتراب للموت، ليس موت جسدي، بل تصاعد ألمي، لم أعد أخشى موت جسدي، بل أخشى الحياة، هذه الحياة التي لا تبالي بوجودي؛ نظرات الآخرين التي تثقب أحشائي، كلماتهم المميتة، أهدافهم النبيلة، لم يكن يومًا خطأ الآخرين، بل أني غير صالح للوجود، يعتريني الوجود بإغتراب أصيل، نسمات الليل الجميلة تقتلني، ذكريات الطفولة تقتلني، كل ما هو جميل يقتلني، وكل ما هو قبيح يقتلني، بيني وبين الوجود عداوة لا سبب لها، عداوة أصيلة في وجودي، في طفولتي، في حياتي، لذلك أخشى الحياة، أخشى أن يكون وجداني زائف، أخشى أن لا تُقبل ذبيحة حبي الأبدية على مذبح عالمي، و من أحب. أخشى أن تكون مادة الكون زائفة، أخشى أن تتطاير أحاسيسي، نظراتي، ذكرياتي، كأوراق الشجر في خريف لا معنى له، أخشى أن تكون الحياة بلا معنى، بلا هدف، أخشى أن أكون باردًا إلى أقصى حد، أخشى أن أعيش.
فهذا الإغتراب يجعل حياتي عدمية على أكمل وجه، يجعل كل مجهود قبض الريح، باطل الأباطيل الكل باطل. لا أعرف إذا كان هذا العصر العدمي مسبب لشعوري، أم مكمل له، ولكن إغترابي يبدو الحقيقة الوحيدة. فكل لغة وكل فن وكل أسطورة، كانت تعطى للحياة معنى أصبحت خانقة الكثير من الأحيان، فاللغة عاجزة، و الفن قاصر، والأسطورة واهمة.
فكل كلمة في هذا العصر العدمي في أصلها عدم خالص، لذلك مهما تماست مع معنى غير مرئي فهي عاجزة، عاجزة عن كشف الحقيقة كل الوقت، و أما عن الفن، فهو يتركنا على بُعد خطوة من المعنى، يؤهلنا لنشوة لا تتحقق، أو ربما يلذذنا ولكن لا يسعدنا، تبقى نتيجته مفصولة عن المعنى بخطوة، أو لتقل فجوة، مستحيلة القطع، ربما تكون هنا القفزة الآخيرة، فهذه الفجوة هي هوه سحيقة، عدم كامل، فهل نقفز ؟
وماذا عن الأسطورة، أليست قفزة في كل الطريق، جميلة على أكمل وجه، وهمية إلى أبعد حد، فربما كان الوهم حقًا.
فأنا الآن في قمة تفائلي، ومع هذا لا أرى سوى العدم، لا أرى سوى إغتراب أخشاه طوال الوقت. إغتراب حقيقي إلى أقصى حد.