الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

سيعود شادي يومًا، سيعود.



في ليالي الشتا، نستمتع و نستمع بفيروز، بين حزن حيث لا حبيب لنا، و اطمئنان بصوت فيروز، بكاء لا معنى له، و بهجة سببها صوت جارة القمر، فنتذكر كل ما هو يفرحنا، وكل ما هو يؤلمنا، حيث نرى الفرح يتضائل و الألم يتمدد بسرعة تتعدى سرعة الضوء كالكون هو يتمدد، يتمدد ألمنا بلا هدف ولا بمعنى، وكأن الألم هو سر الوجود، وكلما غوصنا في وجودنا نراه أكثر وأكثر، حتى عندما نغوص في إنسانيتنا نتألم، نتألم لأجل أصداء صرخات قلوبنا، وأصداء بكاء الآخرين، الذي يتوغل إلى آحشائنا بطريقة مستفزة، تجعلنا نحب الآخرين، نخاف عليهم، نتألم لأجلهم، فهل هذا هو المعنى الذي أبحث عنه، أم هذا الألم الذي يخفي المعنى، فنتوه ونتوه، و كأن الألم بالفعل سر الوجود ولكني آومن بكلام فيروز، أن الغنى سر الوجود، آومن أن شادي سيعود حتى وإن ذهب، آومن أن سنين العمر سترجع وترجع حيث لا ألم ولا هموم، ضحكات الطفولة تعود، و جمال أفكارنا سيعود، سيعودوا يحبوا بعضن حتى و إن تركوا بعضن، فالحب هو الأصل، و المنبع، فهكذا آومن من أغاني فيروز المقدسة، فسنظل نبحث عن هويتنا القديمة، ونظل نبحث عن أصلنا، لنعود أطفال، لندخل ملكوت الله كما قال المسيح، لربما هنا نجد المعنى، على هذا الرجاء نعيش، فيا فيروز الرقيقة، فأنا شاكر لصوتك الجميل، الذي يحيني حينًا، ويقتلني أحيان، ولكنه سيظل الأجمل، حيث يتغلغل في قلوبنا كالسهم المسمم، بسم الحب و الأمل، و الألم.

فأعدك إني سأجد لكٍِ شادي، أعدك أني سأجد الملكوت.

الخميس، 24 ديسمبر 2015

بيت لحم



منذ أيام كنت أسير بين أصدقائي وأرى وحدتي تتجلي في سيل الأفكار، حتى قاطعني مشهد، سيدة تجلس على كرسي أمام الفرن الذى كنا نسأل عندها عن فطير لنكسره ونأكل، لغمسه في عسل مُسكر بسبب تركه كثيرًا حتى خُمِر، وسَكَرَ، وكانت السيدة تبدو تائهه، فقيرة، ولكن ليس هذا ما شد انتباهي، فالمشهد كان ابطاله رجل وسيده، ربما زوجته او اخته او حتى صديقته، فكانوا يسألوها عن اذا كانت تتذكر الى اين ستذهب و ما اسمها، كانوا يحاولون مساعدتها بأي شكل، وكانوا يسألوها بكل لطف، وكأنهم يساعدون طفل، فقولت ها قد رأيت المسيح، لم يكن المسيح فقط السيدة التائهه الكبيرة في السن، بل ايضًا الشاب و الشابه، الجُمال، الذان حاولا مساعدة السيدة العجوز، ففيهم رأيت المسيح، حقًا رأيته، فحسب قول الملاك في الإنجيل، انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب، فكان يسوع هو المخلص، وكان التجسد هو حب، فيض حب إلهي هدفه تحقيق ملكوت، هدفه أن أرى الشاب و الشابه يساعدان السيدة، هدفه أن أدهش، وأشعر بهذا الشعور الإلهي الجميل، الذي يبهرني، يشبه حرية آمن بها شاب في دولة ديكتاتورية، يشبه عائلة سوريه عبرت البحر بنجاح في هجرة حزينة. فتجسد المسيح هو رساله إلهيه، من بيت لحم الفلسطينية، حيث الألم، أمس واليوم، ولا أتمنى أن يكون غدا، ففرحت عندما رأيت المسيح ولكن لأعود للبيت و أدخل غرفتي، لأنام على أصوات الجميلة فيروز، بين أغانيها التى تدفئنا في الشتا، مع "البطاطين" الذي لا يملكها الفقراء، فقراء المال، وليبدأ مع الصوت العذب سيل الأفكار، لأفكر إذا كان ذهب الألم، إذا كنت أنا مسيح، إذا كنت أسير على درب السلام، إذا كنت أرمي الورود حيث أذهب، فلم أجد إني كنت مسيحيًا، ولم أعرف المسيح من الكتب بل من الناس، فعندما رأيت المساعدة أدركت، فها أنا الآن رأيت المسيح، ولأبكي، على اثنين، ذاتي و المتألمين، ذاتي لأني لست شيئً والمتألمين لأنهم لازالوا بلا مسيح، بل هم بالحرى مسيح.

فبيت لحم لازالت صامتة تحت أيدي الاحتلال، فأنوار الكريسماس لا قيمة لها، مادامت السيدة في الشارع، فيا سيدتي الجميلة، عودي الي بيتك، حيث الدفيء، حيث يختفي احساس الاغتراب الذي نعيشه وسط آلامنا، فيا رجل ويا سيدة، فأنتم أجمل من شهب يوم زختها.

ففكيم رأيت المسيح، وفيكم رأيت التجسد، ففرحي يا بيت لحم، إلى حين فرحتك الكبرى.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

ملكوت ضائع



اغتراب عن الوطن، فأغلب الوقت هكذا يكون الحال، لا حرية و لا سماء، فليس هناك ملكوت، أرضنا صماء لا انعكاس انطولوجي لها، فنطلب من السماء عون فيزيد الغبار، فتعمى العيون، لا أرض و لا عون، فنشعر بالاغتراب، فالاغتراب ليس بعدنا عن شيء ننتمي له و لكن كوننا موجودين في شيء لا ننتمي له، فاغترابنا في الوجود، نصرخ فنسمع ارتداد صوتنا بسبب حواجز السماء، فنصرخ أرضا للانتقام لنرى أحجار صماء لا تتفتت حتى، الاغتراب جزء أصيل من وجودنا، فالعبث سيد الواقع و العدمية هي صورة المعاني المجردة في عيوننا، فالتجليات لا تكفينا للراحة فإننا لازلنا لسنا في المكان الصواب فهذا ليس مكاننا فهذا ليس وطننا، فأنا لا أنتمي للألم حتى وإن وجدت به وفيه، وأنا لست من هذا العالم، ولا من آخر، فأملنا تغيير الموجود، لنكون كالواجد، وتحقق ذاتنا فنرى آملنا فربما نجد في هذا وطننا، فالصورة المجردة لوطننا ليست في وجودنا، فنحاول حتى البحث عنها، لم نقل حتى نريد العودة ولكن حتى نريد أن نعرف، فما نملكه هو التمرد على الموجود هائمين نبحث عن وجه لنا، آملين و آملين، فنصلي وراء الشيخ قائلين آمين من أعماق آلامنا و نزهد كالراهب على الجبال العالية لنعتاد نقص الاوكسيجين لنعرف أن تكيفنا لا يرضينا، فنحن نتذكر أن وطننا ليس هو ههنا و سنظل نبحث و نبحث وغالباً سيتم استنزاف الحياة في هذا البحث الذي ليس أمامنا سواه، فهل يمكن أن نرضى بكوننا متألمين متكيفين، فشعور الاغتراب يلاحقنا، فلا نصوص مقدسة و لا علوم مرسخة، و لا أحلام متأصله اروتني، لم أروى.

خلاصٌ مُعاصر.

صمت السماء منذ ظهور الحداثة لم تكف النزعة التشكيكية عن الهدوء، شككنا في أنفسنا، الألوهة، الدين، التاريخ، المنطق، حتى اللغة. في كل مرة كن...