الخميس، 24 ديسمبر 2015

بيت لحم



منذ أيام كنت أسير بين أصدقائي وأرى وحدتي تتجلي في سيل الأفكار، حتى قاطعني مشهد، سيدة تجلس على كرسي أمام الفرن الذى كنا نسأل عندها عن فطير لنكسره ونأكل، لغمسه في عسل مُسكر بسبب تركه كثيرًا حتى خُمِر، وسَكَرَ، وكانت السيدة تبدو تائهه، فقيرة، ولكن ليس هذا ما شد انتباهي، فالمشهد كان ابطاله رجل وسيده، ربما زوجته او اخته او حتى صديقته، فكانوا يسألوها عن اذا كانت تتذكر الى اين ستذهب و ما اسمها، كانوا يحاولون مساعدتها بأي شكل، وكانوا يسألوها بكل لطف، وكأنهم يساعدون طفل، فقولت ها قد رأيت المسيح، لم يكن المسيح فقط السيدة التائهه الكبيرة في السن، بل ايضًا الشاب و الشابه، الجُمال، الذان حاولا مساعدة السيدة العجوز، ففيهم رأيت المسيح، حقًا رأيته، فحسب قول الملاك في الإنجيل، انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب، فكان يسوع هو المخلص، وكان التجسد هو حب، فيض حب إلهي هدفه تحقيق ملكوت، هدفه أن أرى الشاب و الشابه يساعدان السيدة، هدفه أن أدهش، وأشعر بهذا الشعور الإلهي الجميل، الذي يبهرني، يشبه حرية آمن بها شاب في دولة ديكتاتورية، يشبه عائلة سوريه عبرت البحر بنجاح في هجرة حزينة. فتجسد المسيح هو رساله إلهيه، من بيت لحم الفلسطينية، حيث الألم، أمس واليوم، ولا أتمنى أن يكون غدا، ففرحت عندما رأيت المسيح ولكن لأعود للبيت و أدخل غرفتي، لأنام على أصوات الجميلة فيروز، بين أغانيها التى تدفئنا في الشتا، مع "البطاطين" الذي لا يملكها الفقراء، فقراء المال، وليبدأ مع الصوت العذب سيل الأفكار، لأفكر إذا كان ذهب الألم، إذا كنت أنا مسيح، إذا كنت أسير على درب السلام، إذا كنت أرمي الورود حيث أذهب، فلم أجد إني كنت مسيحيًا، ولم أعرف المسيح من الكتب بل من الناس، فعندما رأيت المساعدة أدركت، فها أنا الآن رأيت المسيح، ولأبكي، على اثنين، ذاتي و المتألمين، ذاتي لأني لست شيئً والمتألمين لأنهم لازالوا بلا مسيح، بل هم بالحرى مسيح.

فبيت لحم لازالت صامتة تحت أيدي الاحتلال، فأنوار الكريسماس لا قيمة لها، مادامت السيدة في الشارع، فيا سيدتي الجميلة، عودي الي بيتك، حيث الدفيء، حيث يختفي احساس الاغتراب الذي نعيشه وسط آلامنا، فيا رجل ويا سيدة، فأنتم أجمل من شهب يوم زختها.

ففكيم رأيت المسيح، وفيكم رأيت التجسد، ففرحي يا بيت لحم، إلى حين فرحتك الكبرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خلاصٌ مُعاصر.

صمت السماء منذ ظهور الحداثة لم تكف النزعة التشكيكية عن الهدوء، شككنا في أنفسنا، الألوهة، الدين، التاريخ، المنطق، حتى اللغة. في كل مرة كن...