"المعنى" كلمة تشير الى المقصود ، و ما نتكلم عنه الآن هو معنى الحياة، المقصود من الحياة و الهدف الأوضح لحياة الانسان، بين اشارات فلسفية ايجابية، وآخرى حداثية عدمية، بين ترسيبات انثربولوجية و آخرى ثيولوجية دينية، يتوه المعنى و يوجد، يختفي ويظهر بين طيات العلم الحديث الذي يحسن الحياة، الذي يتطور ولكن بلا هدف ولا معنى، الانسان هو حامل المعنى، أو بمعنى آخر هو من يختار أن يحمل المعنى، فالعلم لا يجيب على معنى الحياة ولا يعرف لماذا نحن هنا أو لأي هدف جئنا، ربما يجاوب على كيف جئنا، أو على الأقل يحاول ويحاول، ربما نخرج منه بوجود معنى نخرج منه في ميكانيزم التي تعكسها الرياضيات و الفيزياء لكون جميل، ربما يشير الى وجود ميكانيزم ولكن ما معناها نسبة لحياة الانسان، فالكون ذكي بسبب طبيعة وجودة ولكن ماذا عن الانسان، لماذا هو ههنا، وماذا يجب ان يكون؟
فالعلم مدفوع من رغبة الانسان بالمعرفة، بايمانة بالمعرفة، ورغبة منه بتطويرها، وتطوير الحياة، لتزيد المعرفة. دائمًا فيه محرك للفعل الانساني.
المعنى و الهدف، مصطلحان يحاول الانسان منذ وجودة وبدأ وعيه الوصول لهما، أن يفهمهما، ربما يختلق أساطير، وربما يتفلسف، ولكن هل يشعر بشيء ؟ وما قيمة ما يشعر به؟ هل المعنى شخصي؟ هل يتطلب المعنى وجود ميتافيزيقي ؟ هل المعنى يشير الى اليوتوبيا؟ أسئلة تمس الوجود الانساني، بل ووجدانة. لذلك يتجه الانسان في الكثير من الاحيان لقفزة عمياء، نحو هاوية، أن يختار أن يثق ويآمن، ربما يختبر، ويخاطر ويثق فيما اختبره، فيما وحده رآه، فيقول الأسقف المسيحي كاليستوس وير في كتاب [ الطريق الأرثوذكسي] "ويشبّه الآباء الشرقيون لقاء الإنسان مع الله بخبرة واحد يسير عبر الجبال فى وسط الضباب, فما أن يخطو خطوة إلى الأمام , حتى يجد نفسه فجأة وقد بلغ حافة الهاوية , بلا أرضية صلبة تحت قدميه بل فقط هوة سحيقة بغير قرار ."
أن يختار الانسان ان يتجه نحو المعنى آمر خطير ولكن أن يختار غير ذلك فهو يختار موت المعنى، فالمعنى هو الرجاء، الرجاء في وجود كائن متخطي الحاضر، وأن تجد ذاتك فيه، ان تجد معنى هو ان تجد ذاتك في هذا الكائن بذاته، والا سوف تختلق معاني مبهومة مؤقتة غير موجودة لانها غير راسخة وكائنة في ذاتها، فان تهدف الى ان تكون ثري او تخترع شيئًا ....الخ، فأنت تضع رؤية لحياتك وليس هدفًا ومعنى، ربما هكذا تحقق وجودك ولكن لازلت تبحث عن تحقيق كيانك،
فيقول الأب المسيحي فرانسوا فاريو في كتاب فرح الايمان بهجة الحياة "ان المعنى الاخير للوجود البشرى هو اننا مدعووّن الى ان نصبح الله ." هكذا حقق ذاته و كياته في الله، تشارك الالوهه وان تصبح كائن، ولكن هذا على مستوى التنظير الفلسفي وأما في الوجدان الانساني يتحقق الكيان في الحب، فالدافع هو الحب، و الاتجاه للمطلق،سببه الحب المشترك،الحب المتبادل،وكأن الحب هو الكتله التي بحاصلها يحصل التجاذب تجاه المطلق، وتظل الفكرة في الرجاء بوجود معنى،وليس المعرفة، لأن حتى الرجاء هو دافع المعرفة.